هناك خطأ شائع يتردد بين الناس وهو اعتبار الطفل صغيراً، وهو خطأ يدمر الأجيال ويجعلها فارغة ضائعة، وهو اعتقاد الوالدين بأن ولدهما ما زال صغيراً، ولا ينبغي تكليفه بشيء من التربية والتعليم ، وله أن يلعب فقط ويستمتع بسنوات الطفولة قبل أن تثقله الحياة بهمومها، مع أن سنوات الطفولة التي يضيعها هؤلاء الآباء والأمهات هي أفضل وقت لتربية الطفل وتعويدة علي كل العادات الحسنة.
جهل الوالدين بالتربية ويجهل كثير من الآباء والأمهات التربية عامة ، لذلك يلغون دور التربية تماماً، وينتظرون حتي يبلغ الصبي فيلزمونه بالصلاة التي لم يتدرب عليها ، فإذا لم يصلى بدأت المشكلات بينه وبين والده، ويطلبون ايضاً من البنت أن تحتجب عند بلوغها، وحين تمتعض الفتاة من الحجاب لا تجد أمامها سوى الضرب، مع أن التدرج والترتيب في التربية من أكثر معالم السيرة النبوية والتربية الإسلامية وضوحاً وأمر الأولاد بالصلاة لسبع قبل أن تفرض عليهم حين يصلون سن البلوغ، دليل واضح على أهمية والتربية والتدريب المبكر، من أجل ترسيخ السلوك الإسلامي عند الشباب والأطفال الناشئة.
تتجلي أهمية الطفولة المبكرة الطفولة « وهي مرحلة ما قبل التمييز أو ما قبل المدرسة » حين نعلم أن الطفولة لدي الإنسان أطول من أي طفولة في الكائنات الأخرى، كما تتميز الطفولة الإنسانية بالنساء والمرونة والحيوية، وتمتد عدة أعوام فيستطيع المربى خلاله هذه الفترة أن يغرس في نفس الطفل ما يريد، وأن يوجهه حسبما يرسم له من خطة، ويستطيع أن يتعرف بإمكاناته فيوجهه حسبما ينفعه، وكلما تدعم بنيان الطفولة بالرعاية والإشراف والتوجيه، كانت الشخصية أثبت وأرسخ أمام الهزات المستقبلية التي ستعترض الإنسان في حياته وما يتربى عليه الطفل يبقي معه على مدى حياته كعمل الانسان في قبره، وما يحدث له في مرحلة الطفولة المبكرة يرسم الملامح الأساسية لشخصيته المستقبلية ، فيصير من الصعب إزاحة بعض هذه الملامح مستقبلاً سواء كانت سوية أو غير ذلك، وتقول مارغريت ماهلر : " تعتبر السنوات الثلاث الأولى من حياة كل إنسان ميلاداً آخر له ، "وإتفق فرويد ويونغ وإدلر وألبورت وهم رواد مدرسة التحليل النفسي على أن السنوات الأولى للطفل هي مرحلة الصياغة الأساسية التي تشكل شخصية الطفل ولأن الله جعل الوالدين مسئولين عن عقيدة الطفل فإنه جعل الطفل يتلقى من والديه فقط طيلة طفولته المبكرة، وجعله يرى والديه مثلاً أعلى في كل شيء حسن فلا يصدق غيرهما، وذلك ليحصن الله عز وجل الطفل من التأثيرات القادمة من خارج الأسرة في الطفولة المبكرة، كما جعل الله سبحانه وتعالى الطفل يعتمد على والديه في كل شيء خلال هذه المرحلة، وهذا يساعدهما على تنفيذ المهمة الموكلة إليهما.
التربية بالعادة او ما يسمي "بالتعويد" يقول الشيخ محمد قطب: ومن وسائل التربية بالعادة أي تعويد الطفل على أشياء معينة حتى تصبح عادة ذاتية له، يقوم بها من دون حاجة إلى وصاية او توجيه، ومن أبرز أمثلة العادة في منهج التربية شعائر العبادة الدينية وفى مقدمتها الصلاة ، فهي تتحول بالتعويد إلى عادة يومية ملازمة بالإنسان لا يستريح ولا يشعر بالراحة من دونها. وليست الشعائر التعبدية وحدها هي العادات التي ينشئها منهج التربية الدينية، ففي الواقع كل أنماط السلوك الإسلامي،» مثل حجاب المرأة المسلمة، وعدم اختلاط الرجال بالنساء غير المحارم« ، وكل الآداب والأخلاق الدينية وآداب تناول الطعام والشراب وآداب الطريق واحترام الجار ، كل ذلك كان جديداً علي المسلمين حين جائت الرسالة ، فعودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورباهم عليها بالقدوة والمتابعة والتوجيه حتى اصبحت عادات متأصلة في نفوس المسلمين والعرب، وطابعاً مميزاً لهم بين جميع الشعوب، وتكوين العادة في الصغر اسهل بكثير من تكوينها في سن كبيرة، لكون الجهاز العصبي للطفل أكثر قابلية للتشكيل، أما في الكبر فإن الجهاز العصبي يفقد كثيراً من مرونته الأولى.
ونظراً لسهولة تكوين العادة "التعويد" في السن الصغير يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتعويد الأطفال على الصلاة قبل موعد التكليف بزمن كاف كي يكون مستعد لها إذا جاء وقت التكليف وتكون قد أصبحت عادة بالفعل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر » فمنذ السابعة يبدأ تعويد الأطفال على الصلاة ، فإن لم يكن تعودها من تلقاء نفسه خلال سنوات التعويد الثلاث تلك، فلابد من إجراء حاسم» وهو الضرب « يضمن إنشاء هذه العادة وترسيخها.
تدريب وتعويد البنات على ارتداء الحجاب : فلقد أُمرنا أن ندرب أولادنا على العبادات قبل أن تفرض عليهم ببضع سنين حتى يتعودوا عليها، وقد لاحظنا سلفاً أن فترة التدريب تعتبر من سن ٧ الي ١٠ سنوات، لذلك فإن التدريب على الحجاب وهو عبادة يجب أن يسبق مرحلة الالزام بالحجاب ببضع سنين حتى تعتاده الفتاة، فيصعب عليها نزعه بعد ذلك.
ومتي يصبح ارتداء فريضة علي البنت؟ هناك إجابتان الاولي تقول: ترتدي الفتاة الحجاب عندما تُشتهى، اي تكون في صورة امرأة، والسن التي تشتهى فيها الصبية تختلف من واحدة إلى أخرى وفقاً لبنيتها طولها وجمالها ، وغالباً لا تقل عن الثامنة وحتي سن الثانية عشرة.
وتقول الاجابة الثانية: تحجب الصبية إذا حاضت وسن الحيض في الإنسان من ١١ الي ١٤ عاما في بلادنا. وفى الحالتين لابد من فترة تدريب سابقة على سن التكليف كي لا يكون بالأمر الشاق، فالصبية التي تشتهى في الثامنة من عمرها يجب أن تدرب وتتعود على الحجاب منذ السادسة بداية كلعبة أسوة بامها، وهكذا فعل العلامة الشيخ محمد الحامد يرحمه الله مع بناته، إذ كان يحجبهن حجاباً شرعياً كاملاً في السادسة تقريباً ، وهذه وجهة نظرة الا ان المشقة في التعويد والصرامة أمر يُقابل بالرفض كره الشيء لذا فالسعودية أمر يرسم باللين والنقاش. والفتاة التي تشتهى قبل المحيض ولا تحتجب، فتفتن الرجال بالنظر إليها يأثم والدها (ولى أمرها ) لانه يتوجب عليه سترها، ولا تأثم لأنها غير مكلفة، أما بعد البلوغ فإن لم تتحجب تأثم هي والله أعلم. أما التي لا تشتهى في الثامنة فيجب تدريبها على ارتداء الحجاب منذ السابعة قياساً على الأمر بالصلاة، فقد قاس جمهور الشافعية الصوم على الصلاة، وقالوا : « يؤمر به الصبي لسبع ويضرب عليه لعشر » ، وكذلك الحجاب فإن البنت تؤمر به لسبع وتضرب عليه لعشر.
ولكن إذا قسنا الحجاب على الصلاة فلماذا لا تؤمر الصبية في السابعة بدلاً من العاشرة ؟ وثمة سؤال يخطر في الذهن وهو ما الفرق بين الصبية قبل بلوغها ببضعة شهور وبينها وهى تدخل البلوغ، من حيث جمالها ولفت نظر الرجال إليها؟ وبعبارة أخرى ما هو الفارق بين الصبيان في الحادية عشرة ( الذين لم يبلغو بعد ) وبين الصبية نفسها في الثانية عشرة (البالغين)؟! لذا تحجيب الصبية عندما تشتهى أقرب إلى الصواب حفاظا وحفظه لها، وكثير من الصبايا في العاشرة من عمرهن يفتنّ الرجال بقامتهن وشعورهن وبنيتهم، لذا ينبغي على آبائهن حجبهن عن عيون الصبية المضطلعين أو الرجال كي لا يأثم الآباء والله أعلم.
** لماذا في سن السابعة؟ في السابعة من العمر يبدأ الإنسان المرحلة الثالثة من طور نموه، وهى الطفولة المتأخرة، أو سن التمييز ولهذه المرحلة خصائص منها :
اقتصار الطفل مع باللعب مع ذويه بنفس الجنس ويلاحظ بتلك المرحلة أن الأولاد يلعبون مع الأولاد فقط، وتنحصر لعبهم حول دورهم كرجال في المستقبل، وإذا جاءت بنت لتلعب معهم استنكروا عليها اللعب معهم وتركوها وقالوا لها أنت بنت اعزك الله العبي مع البنات، فكيف تلعبين مع الصبيان ، اذهبي.
يجب مراقبة اللعب وعدم السماح بالألعاب التي تخدش الحياء أو الالفاظ الجنسية لتجنب وقوع ما يخالف الفكرة والشرع.
وتلعب البنات سوياً ألعاباً تمثل دورهن في المستقبل وغالبا ما تلعب العاب تحاكي دور الام ، وإذا حضر صبي ليلعب معهن قلن له كيف لك ان تلعب معنا؟ هل أنت بنت؟ ، من أخطاء الجاهلية المعاصرة أنها تعامل البنات والصبيان نفس المعاملة، فهم يدرسون بمدرسة واحدة، ولباس وزي واحد تقريباً، ومنهج دراسي واحد.
ختاماً التربية بالتعويد تهدف لزرع السلوك المرغوب فيه عند رعيتهم أولاد وبنات.
__شارك الرابط __